الثلاثاء، 8 يناير 2013

بحث: مسرحيّة (رأس المملوك جابر) سعد الله ونّوس: 2007-2008


معهد "نهج صيّادة"
بحثإعداد التّلميذة: حنان القطوفي (4 آداب)
علاقةُ المواطِن بالسّلطةِ في 'مغامرةُ رأسِ المملوكِ جابرٍلسعد اللّه ونّوس. مراجعة الأستاذة: فوزيّة الشّطّي.
معهد نهج صيّادة: الورديّة: 2007/2008

-    ينشأ الصّراعُ في هذه المسرحيّة بين آخرِ الخلفاء العبّاسيّين [شعبان] وبين وزيرِ بغداد [محمّد العلقميّ]. فالخليفة يريدُ إزاحةَ الوزير لأنّه يشكّلُ خطرا على وُجوده، والوزيرُ يطمحُ إلى تحقيق حلمِه بالاستيلاء على الخلافة. وكلّ واحد منهما يُعِدّ العدّةَ لإزاحة صاحبه - خصمِه. فيأمرُ الخليفةُ بتفتيش الخارجِ من بغداد والدّاخلِ إليها خوفا من خروجِ رسالة من الوزير إلى قائدِ المغُول. ويتطوّعُ المملوكُ [جابر] ليُوصِل الرّسالةَ مكتوبةً على رأسه. أمّا ثمنُ أدائه هذه الخدمةَ فأنْ ينالَ حُرّيّتَه ويتزوّج "زمرّدة" ويتمتّع بالعطايا. لكنّ الوزيرَ يطلبُ من ملكِ المغولِ أن يقتلَ الرّسولَ المخدوعَ. فيفعلُ بلا تردّد.
-    الخليفةُ والوزيرُ:
هما شخصيّتان مُتسلّطتان تنفردان بالحكمِ وتضطهِدان الرّعيّةَ بسببه. تصارَع الخليفةُ والوزيرُ على النّفوذ حتّى ضيّعا البلادَ والعِبادَ، الوطنَ والشّعبَ.
-     منصور:
يُمثّل المواطِنَ "نصفَ الواعِي"، فهو كثيرُ القلق والانشغال قليلُ الفعلِ. لكنّه أعزلُ [بلا إمكانيّات] ومعزولٌ [وحيد لا مُناصِر له].
-   الزّبونُ الرّابعُ:
شخصيّةٌ مُتمّمة لمنصور. هو رجلٌ واعٍ سياسيّا واجتماعيّا وفكريّا. لذلك توقّع المصيرَ المأساويّ الّذي ناله"جابرٌ" عن جدارة واستحقاق.
   المملوكُ جابر:
شخصيّةٌ انتهازيّة توظّف ذكاءَها في تحقيقِ المصالحِ الشّخصيّة ولو على حسابِ المصلحةِ الجماعيّة ومصيرِ الوطنِ. لكنّه يدفع غاليا جدّا ثمنَ انتهازيّته.
    يؤكّد "ونّوس" في المسرحيّة أهـمّيّةَ دور الجماعةِ في العمل السّياسيّ. إذ لا جدوَى من العملِ الفرديّ كمطلبٍ للخلاص. فالسّلطةُ تستغلّ الإنسانَ غيرَ المسيّس وتسحقُه كما فعلتْ بجابرٍ الّذي أرادَ أن يتحرّر عن طريق الخيانة. فكان الجزاءُ - العادلُ- أن ضيّع رأسَه.
    مسرحُ التّسيِيس لا يَهتمّ بالشّخوصِ باعتبارها أفرادا أو أنماطا فحسبُ. وإنّما يُشبِعها بالقدرة على التّرميز. فـ "جابرٌ" مثلا رمزٌ للفئات المضطهَدة غيرِ القادرة على المطالبة بحقوقها، مع أنّها تفكّر بها سرّا. هي فئاتٌ مُستعدّة لفعلِ كلّ عملٍ شائِن في سبيل تحقيقِ طموحِها الذّاتي، لا رادعَ أخلاقيّا يردعُها. إنّ خيبةَ جابرٍ هي إدانةٌ للفرديّة الانتهازيّة وليستْ إحباطا لطموحات الجماعة.
    يريدُ مسرحُ التّسيِيس أن يخلقَ وعيا جماهيريّا عن طريقِ التّعليمِ والتّحريض والدّعوة إلى إعمال الذّهن فيما يُرَى ويُسمَع.
-   الرّعيّةُ [الشّعبُ]:
تُعاني الرّعيّةُ جبروتَ السّاسة على اختلاف مواقعِهم ونفوذِهم. لكنّ "ونّوس" يرى أنّ الشّعبَ هو الّذي بيدِه كلّ شيء. ففي المشهد الختاميّ يتصدّى الشّعبُ [المجموعةُوحدَه لجندِ الأعداء. هذا لأنّ العملَ السّياسيّ الجماعيّ، حسْب الكاتب، هو السّبيلُ الوحيد للخلاص من جنُونِ السّاسة.
    كسر "ونّوس" الحاجزَ بين رُكحِ الحكاية [الوضع السّياسيّ للخلافة العباّسيّةوبين رُكحِ المقهَى [وضْع الزّبائن المشابه للوضع القديم المستَدعَى من التّاريخ]. أدّى ذلك إلى كسرِ الحواجز بين الزّمنيْن: الماضي التّاريخيّ والحاضرِ راهنِ الكاتب. ومثّل تبادُلُ الآراءِ والتّعليقات بين مختلف الشّخصيّات دليلا على التّفاعلِ النّقديّ من ناحية وعلى رغبةِ المؤلِّف في التّفرّج على الزّمنيْن معا وإدانةِ تواصُل نفس الأحوال الفاسدة. فكأنّ الزّمنَ لم يتقدّمْ أو هو يدور في حلقة مُفرَغة. وكان "الحكواتي" [وهو شخصيّةٌ تراثيّة وشكلٌ من أشكال التّفرّج الحكائيّ العربيّ] أداةَ الوصْل بين الزّمنيْن وبين المكانيْن وبين صِنفيْ الشّخصيّات.

{ عمـلا مُوفّـقا }